خطاب مفتوح من المنظمات الدولية العاملة في مصر بشأن عملية التضييق على المجتمع المدني

لقد أشاد العالم أجمع بالثورة المصرية التي خرجت بصورة رائعة أمام العالم ولأسباب شرعية ومبررة والتي قام بها الشعب المصري من أجل نيل حقه في الحرية والعدالة الاجتماعية التي سلبت منه لعدة عقود. ومن ثم كان من المتوقع أن تقوم السلطات المصرية في الفترة التي تلت الثورة بالإصلاحات القانونية والإجرائية العاجلة والضرورية لتعزيز مكتسبات هذه الثورة وحماية حقوق وحريات الشعب المصري. إلا أن الحكومة المصرية لم تقم بأية خطوات لرفع القيود الخانقة على عمل المجتمع المدني المصرى رغم كون قوة المجتمع المدنى هي إحدى أهم الأسس الداعمة لأي نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وسيدة القانون.

بل واتخذت السلطات المصرية بعض الإجراءات تجاه منظمات مجتمع مدني في الفترة الأخيرة التي انتهكت حقها في حرية التنظيم وعرضت استمرارية عملها للخطر عن طريق زيادة القيود والضغوط عليها. وقد شملت هذه الإجراءات التحقيق مع بعض المنظمات غير الحكومية المصرية غير المسجلة تحت قانون الجمعيات لعام 2002، بالرغم من أن هذه المنظمات المحترمة قد تقدمت بالفعل للتسجيل تحت هذا القانون ولم يتم الرد عليها دون إبداء تبريرات. وبالاضافة الى مداهمات يوم 29 ديسمبر فقد شملت هذه الإجراءات التحقيق مع العاملين فى المنظمات غير الحكومية المحلية منها والدولية، وفرض القيود المالية التي تعيق هذه المنظمات عن تنفيذ البرامج الحيوية.

ويجدر هنا الإشارة بالدور الحيوي الذي تقوم به المنظمات التنموية والحقوقية في مصر حيث تلعب المنظمات الأهلية والدولية المستقلة دورا أساسيا في الانتقال إلى الديمقراطية وفى العملية التنموية في مصر. فإن أهداف هذه المنظمات المجتمعية هي أهداف إنسانية وتنموية وحقوقية من الدرجة الأولى وليست تجارية ولا تهدف للربح. كما أن أساس عمل الكثير من هذه المنظمات هو تخفيف معاناة الفقراء من خلال مراعاة مصالحهم عبر تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية وتنفيذ برامج تنموية في مجالات المياه والصرف الصحي والغذاء والصحة والتعليم وخلق فرص العمل ومثله. ولكي تنجح هذه المنظمات في تنفيذ مثل هذه البرامج فهي تعمل إما بشكل مستقل أو بمساعدة وكالات المعونة الدولية، كما تعمل هذه المنظمات من خلال الأطر الحالية للشراكة مع الجهات الحكومية والغير حكومية المعنية والتي تهدف إلى تحديد أولويات العمل التنموي ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية للشعب المصري. والكثير من هذه المنظمات تعمل أيضا على نشر القيم الديمقراطية وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان الأساسية، فدور هذه المنظمات في حماية حقوق الإنسان والحريات المدنية بالنيابة عن كل فرد في المجتمع هو دور هام يساهم في خلق مجتمع ديمقراطي مؤثر وفعال.

ومن ثم فهذا المجتمع المدني المتنوع والقوى يلعب دورا أساسيا في دعم النمو وفي السعي إلى تحقيق الديمقراطية في مصر. والتعدي على حرية هذا المجتمع المدني يؤثر سلبا في قدرته على القيام بهذا الدور الهام. ونذكر بأن منظمات المجتمع المدني من جمعيات أهلية أو نقابات أو شبكات مجتمعية متنوعة من حقها جميعا أن تتكوّن وتتواجد وتنظم نفسها بحرية وبدون ترهيب بحسبب القوانين والأعراف الدولية. وعلى كل الدول الالتزام بالقوانين الدولية من خلال العمل على حماية وإرساء هذه الحريات الأساسية لأي شعب.

ويزيد من قلقنا الطريقة التى تم بها استخدام الإعلام الرسمي من قبل الحكومة المصرية لتشويه ونزع شرعية منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية أمام الجمهور المصري، باتهامها بتنفيذ أجندات أجنبية ضد المصالح المصرية. وقد شككت البيانات الرسمية في الدور الذي تلعبه المنظمات عموما وفى التمويل الأجنبي، وهو قانوني وشرعي، كما تغاضت عن تسليط أي ضوء على العدد الهائل من البرامج الإنمائية والحقوقية الناجحة التي تنفذها هذه المنظمات في مصر، والتي لا غنى عنها في عملية التنمية.

ونحن كمنظمات غير حكومية دولية نحرص على اتخاذ أعلى معايير للشفافية المالية في إجراءاتنا الداخلية وكذا فى التعامل مع شركائنا المحليين، لتوثيق كافة ما يتم إنفاقه من تمويل على المشاريع المختلفة في أي بلد. كما نحترم سيادة الدولة المصرية التي تربطنا بها شراكة على مدى عدة عقود في هذا الإطار، ونؤكد التزامنا بتقديم أية معلومات ضرورية قد تطلبها السلطات المصرية أو الإجابة على أية أسئلة بموجب القانون، كما نأمل أن تقوم السلطات المصرية بطرح أية تساؤلات أو مواضيع ذات صلة بعمل منظمات المجتمع المدني بشكل واضح وشفاف يحرص على عدم التخويف وعلى استمرار التعاون والشراكة بيننا. وكما أن المنظمات غير الحكومية الدولية تحرص كل الحرص على تبادل المعلومات مع الجهات الحكومية، فنحث الحكومة المصرية على تبنى نفس النهج من خلال إعداد والإعلان عن معايير واضحة لتسجيل الجمعيات الأهلية والدولية في مصر. فمن غير المعقول وغير العادل ألا يتم الرد على طلبات الجمعيات الأهلية للتسجيل لأسباب غير معلنة ثم يتم اتخاذ قرار مفاجئ وغير مبرر للتحقيق مع نفس هذه الجمعيات بسبب عدم تسجيلها.

وفى هذا السياق فإن مشروع قانون الجمعيات الذى تقدمت به الحكومة المصرية مؤخراً يزيد من القيود المفروضة على المجتمع المدنى ولا يفى بالمعايير والقوانين الدولية التى التزمت بها الحكومة المصرية، ويهدد إمكانية عدد كبير من المنظمات المحلية على العمل وتنفيذ البرامج الأساسية في مصر. إن انعقاد البرلمان الجديد فى 23 يناير 2012 يتيح الفرصة للعمل على مشروع قانون جديد للجمعيات وفقاً لالتزامات مصر تحت قوانين حقوق الإنسان الدولية، يهدف إلى تحرير المجتمع المدني وازالة القيود غير الضرورية من عليه وينظم عمل جميع المنظمات غير الحكومية التى تعمل فى مجالات التنمية وحقوق الانسان بما فيها الواقعة خارج التوصيف الضيق للجمعيات في القانون الحالي وكذلك مشروع القانون المقترح.

ومحصلة ما سبق هو أننا نخشى من أن حملة التضييق على المجتمع المدني المصري سواء من تحقيقات أو تجريح إعلامي أو طرح مشروع قانون يزيد من تقييد الحريات، سوف يعيق منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية عن أداء دورها في مصر، وهو تقديم المساعدات الحيوية في مجالات التنمية المختلفة والدفاع عن الحقوق والذي تقوم به بمشاركة الحكومة المصرية. وبناء عليه فإن المنظمات الموقعة أدناه تناشد الحكومة المصرية لاتخاذ ما يلزم من خطوات لتحقيق الآتي:

  • وقف مداهمة مقار أي من المنظمات الغير حكومية المصرية منها والدولية والحرص على حماية العاملين بها وعدم تخويفهم والتضييق عليهم من خلال التحقيقات المستمرة.
  • وقف البيانات الحكومية السلبية التى من شأنها تخوين وتشويه صورة منظمات المجتمع المدني في أعين الجمهور المصري.
  • تيسير وتمكين منظمات المجتمع المدني على العمل بحرية والمساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والتغيير الديمقراطي في مصر.
  • اعادة صياغة مسودة قانون الجمعيات بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر، وضمان أن يهدف القانون إلى تحرير المجتمع المدنى فى مصر وأن يضع معاييراً واضحة لتسجيل جميع المنظمات سواء كانت تعمل فى مجالات تنموية أوحقوقية أو إنسانية.

الموقعون:

1) الشبكة الاوربية-المتوسطية لحقوق الانسان ( EMHRN)

2) هيومن رايتس ووتش (HRW)

3) منظمة الشفافية الدولية (TI)

4) لا سلام بدون عدالة (NPWJ)

5) برنامج الديمقراطية فى الشرق الاوسطPOMED) )

6) منظمة حقوق الانسان أولا (HRF)

7) البرنامج العربى لنشطاء حقوق الانسان (APHRA)

8) التحالف العربى من أجل دارفور (ACD )

9) منظمة الكرامة Alkarama Foundation) )

10) منظمة المادة 19 (Article19)

11) التحالف الدولى للنساء (IAW)

12) مرصد حماية المدافعين عن حقوق الانسان :برنامج مشترك بين الفدرالية الدولية لحقوق الانسان(FIDH) والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT)

13) الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان (ANHRI)

14) منظمة تضامن الشعوب الافريقية الاسيوية (AAPSO )

15) منظمة العفو الدولية (AI)

16) المركز الدولى لقوانين منظمات المجتمع المدنى (ICNL-LLC)

أقرأ المزيد